فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ادعوهم لآبَآئهمْ} الضمير للأدعياء، أي انسبوهم لآبائهم الذين ولدوهم.
{النبي أولى بالمؤمنين منْ أَنْفُسهمْ} يقتضي أن يحبوه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكثر مما يحبون أنفسهم، وأن ينصروا دينه أكثر مما ينصرون أنفسهم {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} جعل الله تعالى لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم حرمة الأمهات؛ في تحريم نكاحهن ووجوب مبرتهن، ولكن أوجب جحبهن عن الرجال.
{وَأُوْلُو الأرحام بَعْضُهُمْ أولى ببَعْضٍ} هذا نسخ لما كان في صدر الإسلام من التوارث بأخوة الإسلام، وبالهجرة وقد تكلمنا عليها في الأنفال {في كتَاب الله} يحتمل أن يريد القرآن، أو اللوح المحفوظ {منَ المؤمنين} يحتمل أن يكون بيانًا لأولى الأرحام أو يتعلق بأولى: أي أولو الأرحام أولى بالميراث من المؤمنين، الذين ليسوا بذوي أرحام {إلاَّ أَن تفعلوا إلى أَوْليَآئكُمْ مَّعْرُوفًا} يريد الإحسان إلى الأولياء الذين ليسوا بقرابة، ونفعهم في الحياة والوصية لهم عند الموت فذلك جائز، ومندوب إليه، وإن لم يكونوا قرابة، وأما الميراث فللقرابة خاصة، واختلف هل يعني بالأولياء المؤمنين خاصة، أو المؤمنين والكافرين؟ {في الكتاب مَسْطُورًا} يعني القرآن أو اللوح المحفوظ.
{وَإذْ أَخَذْنَا منَ النبيين ميثَاقَهُمْ} هو الميثاق بتبليغ الرسالة والقيام بالشرائع، وقيل: هو الميثاق الذي أخذه حين أخرج بني آدم من صلب آدم كالذر، والأول أرجح لأنه هو المختص بالأنبياء {وَمنْكَ وَمن نُّوحٍ} قد دخل هؤلاء في جملة النبيين، ولكنه خصهم بالذكر تشريفًا لهم، وقدم محمدًا صلى الله عليه وسلم تفضيلًا له {مّيثَاقًا غَليظًا} يعني الميثاق المذكور، وإنما كرره تأكيدًا، وليصفه بأنه غليظ أي وثيق ثابت يجب الوفاء به.
{لّيَسْأَلَ الصادقين} اللام تحتمل أن تكون لام كي أم لام الصيرورة، والصدق هنا يحتمل أن يكون الصدق في الأقوال، أو الصدق في الأفعال والعزائم ويحتمل أن يريد بالصادقين الأنبياء وغيرهم من المؤمنين.
{اذكروا نعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ} هذه الآية وما بعدها نزلت في قصة غزوة الخندق، والجنود المذكورة هم قريش ومن كان معهم من الكفار، وسماهم الله في هذه السورة الأحزاب، وكانوا نحو عشرة آلاف، حاصروا المدينة وحفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق حولها، ليمنعهم من دخولها {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهمْ ريحًا} أرسل الله عليهم ريح الصبا، فأطفأت نيرانهم وأكفأت قدورهم، ولم يمكنهم معها قرار فانصرفوا خائبين {وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا} يعني الملائكة.
{إذْ جَاءُوكُمْ مّن فَوْقكُمْ وَمنْ أَسْفَلَ منكُمْ} أي حصروا المدينة من أعلاها ومن أسفلها، وقيل: معنى من فوقكم أهل نجد، لأن أرضهم فوق المدينة ومن أسفل منكم أهل مكة وسائر تهامة {وَإذْ زَاغَت الأبصار} أي مالت عن مواضعها وذلك عبارة عن شدة الخوف {وَبَلَغَت القلوب الحناجر} جمع حنجرة وهي الحلق وبلوغ القلب إليها مجاز، وهو عبارة عن شدّة الخوف وقيل: بل هي حقيقة، لأن الرئة تنتفخ من شدة الخوف، فتربوا ويرتفع القلب بارتفاعها إلى الحنجرة {وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا} أي: تظنون أن الكفار يغلبونكم، وقد وعدكم الله بالنصر عليهم، فأما المنافقون فظنوا ظن السوء وصرحوا به، وأما المؤمنون فربما خطرت لبعضهم خطرة مما لا يمكن البشر دفعها، ثم استبصروا ووثقوا بوعد الله، وقرأ نافع الظنونا والرسولا، والسبيلا، وبالألف في الوصل وفي الوقف، وقرأ بإسقاطها في الوصل دون الوقف، وقرأ أبو عمر وحمزة بإسقاطها في الوقف دون الوصل فأما إسقاطها فهو الأصل وأما إثباتها فلتعليل رءوس الآي لأنها كالقوافي، وتقتضي هذه العلة أن تثبت في الوقف خاصة، وأما من أثبتها في الحالين، فإنه أجرى الوصل مجرى الوقف.
{هُنَالكَ ابتلي المؤمنون} أي اختبروا أو أصابهم بلاء، والعامل في الظرف ابتلى وقيل: ما قبله {وَزُلْزلُوا} أصل الزلزلة شدة التحريك وهو هنا عبارة عن اضطراب القلوب.
{وَإذْ يَقُولُ المنافقون} {وَإذْ يَقُولُ المنافقون} روي أنه متعب بن قشير.
{وَإذْ قَالَت طَّآئفَةٌ} قال السهيلي: الطائفة تقع على الواحد مما فوقه، والمراد هنا أوس بن قبطي {ياأهل يَثْربَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فارجعوا} يثرب اسم المدينة وقيل: اسم البقعة التي المدينة في طرف منها، ومقام اسم مَوْضع من القيام، أي لإقرار لكم هنا يعنون مَوْضع القتال وقرئ بالضم وهو اسم موضع من الإقامة، وقولهم: فارجعوا إلى منازلكم بالمدينة ودعوا القتال {وَيَسْتَأْذنُ فَريقٌ مّنْهُمُ النبي} أي يستأذنه في الانصراف والمستأذن أوس بن قبطي وعشيرته وقيل: بنو حارثة {إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} أي منكشفة للعدوّ وقيل: خالية للسراق فكذبهم الله في ذلك.
{وَلَوْ دُخلَتْ عَلَيْهمْ مّنْ أَقْطَارهَا} أي لو دخلت عليهم المدينة من جهاتها {ثُمَّ سُئلُوا الفتنة} يريد بالفتنة الكفر أو قتال المسلمين {لآتَوْهَا} بالقصر بمعنى جاؤوا ليها وبالمدّ بمعنى أعطوها من أنفسهم {وَمَا تَلَبَّثُوا بهَآ} الضمير للمدينة. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين}.
نزلت في أبي سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور وعمر بن سفيان السلمي، وذلك أنهم قدموا المدينة فنزلوا على عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين بعد قتال أحد، وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمان على أن يكلموه فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وعنده عمر بن الخطاب ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة، وقل إن لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربك، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر يا رسول الله ائذن لي في قتلهم، فقال: «إني أعطيتهم الأمان» فقال عمر اخرجوا في لعنة الله وغضبه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر أن يخرجهم من المدينة.
فأنزل الله تعالى: {يا أيها النبي اتق الله} أي دم على التقوى وقيل معناه اتق الله ولاتنقض العهد بينك وبينهم وقيل الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته ولا {تطع الكافرين} يعني من أهل مكة يعني أبا سفيان وعكرمة وأبا الأعور والمنافقين يعني من أهل المدينة عبد الله بن أبي وعبد الله بن سعد وطعمة {إن الله كان عليمًا} أي بخلقه قبل أن يخلقهم {حكيمًا} أي فيما دبره لهم {واتبع ما يوحى إليك من ربك} يعني من وفاء العهد وترك طاعة الكافرين والمنافقين {إن الله كان بما يعملون خبيرًا وتوكل على الله} أي ثق بالله وكل أمرك إليه {وكفى بالله وكيلًا} يعني حافظًا لك وقيل كفيلًا برزقك.
قوله تعالى: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} نزلت في أبي معمر جميل بن معمر الفهري، وكان رجلًا لبيبًا حافظًا لما يسمع فقالت قريش ما حفظ أبو معمر هذه الأشياء إلا وله قلبان وكان يقول إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، فلما هزم الله المشركين يوم بدر انهزم أبو معمر فيهم فلقيه أبو سفيان وإحدى نعليه في يده والأخرى في رجله، فقال له يا أبا معمر ما حال الناس.
فقال انهزموا فقال له فما بال إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك.
فقال أبو معمر ما شعرت إلا أنهما في رجلي.
فعلموا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده.
وعن أبي ظبيان قال: قلنا لابن عباس أرأيت قول الله: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} ما عنى بذلك؟ قال قام نبي الله صلى الله عليه وسلم يومًا يصلي فخطر خطرة.
فقال المنافقون الذين يصلون معه ألا ترون أن له قلبين قلبًا معكم وقلبًا معهم فأنزل الله: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} أخرجه الترمذي.
وقال حديث حسن قوله خطر خطرة يريد الوسوسة التي تحصل للإنسان في صلاة.
قيل في معنى الآية أنه لما قال الله تعالى: {يا أيها النبي اتق الله} فكان ذلك أمرًا بالتقوى.
فكأنه قال ومن حقها أن لا يكون في قلبك تقوى غير الله، فإن المرء ليس له قلبان حتى يتقي الله بأحدهما وبالآخر غيره، وقيل إن هذا مثل ضربه الله تعالى للمظاهر من امرأته وللمتبني ولد غيره، فكما لا يكون لرجل قلبان لأنه لا يخلو إما أن يفعل بأحدهما ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب، فالآخر فضله عليه محتاج إليه، وإما أن يفعل بهذا ما لا يفعل بذاك، فذلك يؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريدًا كارهًا عالمًا جاهلًا موقنًا شاكًا في حالة واحدة، وهما حالتان متنافيتان فكذلك لا تكون امرأة المظاهر أمه حتى يكون له أمان ولا يكون ولد واحد ابن رجلين.
قوله تعالى: {وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم} وصورة الظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي، يقول الله وما جعل نساءكم التي تقولون لهن هذا في التحريم كأمهاتكم، ولكنه منكم منكر وزور وفيه كفارة، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله في سورة المجادلة.
قوله تعالى: {وما جعل أدعياءكم} يعني الذين تتبنونهم {أبناءكم} وفيه نسخ التبني، وذلك أن الرجل كان في الجاهلية يتبنى الرجل فيجعله كالابن المولود يدعوه إليه الناس ويرث ميراثه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعتق زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي وتبناه قبل الوحي، وآخى بينه وبين حمزة بن عبدالمطلب، فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وكانت تحت زيد بن حارثة، قال المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عن ذلك فأنزل الله هذه الآية ونسخ بها التبني {ذلكم قولكم بأفواهكم} أي لا حقيقة له يعني قولهم زيد بن محمد وادعاء النسب لا حقيقة له {والله يقول الحق} يعني قوله الحق {وهو يهدي السبيل} يعني يرشد إلى سبيل الحق.
{ادعوهم لآبائهم} يعني الذين ولدوهم فقولوا زيد بن حارثة {هو أقسط عند الله} يعني أعدل عند الله ق عن ابن عمر قال: إن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله} الآية: {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين} يعني فهم إخوانكم {ومواليكم} أي كانوا محررين وليسوا ببنيكم أي فسموهم بأسماء إخوانكم في الدين، وقيل معنى مواليكم أولياؤكم في الدين {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} أي قبل النهي فنسبتموه إلى غير أبيه {ولكن ما تعمدت قلوبكم} أي من دعائهم إلى غير آبائهم بعد النهي وقيل فيما أخطأتم به أن تدعوه إلى غير أبيه وهو يظن أنه كذلك {وكان الله غفورًا رحيمًا}.
ق عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام» قوله: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} يعني من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه، عليهم ووجوب طاعته وقال ابن عباس إذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهم من طاعة أنفسهم، وهذا صحيح لأن أنفسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم، ورسول الله صلى الله عليه سلم يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم، وقيل هو أولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه، وقيل كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى الجهاد فيقول قوم نذهب فنستأذن من آبائنا وأمهاتنا، فنزل الآية.
ق عن أبي هريرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، واقرؤوا إن شئتم: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} فأيما مؤمن ترك مالًا فلترثه عصبته من كانوا ومن ترك دينًا أو ضياعًا فليأتني فأنا مولاه» عصبة الميت من يرثه سوى من له فرض مقدر وقوله أو ضياعًا أي عيالًا وأصله مصدر ضاع يضيع ضياعًا، وإن كسرت الضاد كان جمع ضائع.
قوله تعالى: {وأزواجه أمهاتهم} يعني أمهات المؤمنين في تعظيم الحرمة وتحريم نكاحهن على التأبيد لا في النظر إليهن والخلوة بهن، فإنه حرام في حقهن كما في حق الأجانب ولا يقال لبناتهن هن أخوات المؤمنين ولا لأخوانهن وأخواتهن هن أخوال المؤمنين وخالاتهم.
قال الشافعي تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر وهي أخت عائشة أم المؤمنين ولم يقل هي خالة المؤمنين، وقيل إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن أمهات المؤمنين والمؤمنات الرجال والنساء وقيل كن أمهات الرجال دون النساء، بدليل ما روي عن مسروق أن امرأة قالت لعائشة يا أمه.
فقالت لست لك بأم أنا أم رجالكم.
فبان بذلك أن معنى الأمومة إنما هو تحريم نكاحهن {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} يعني في الميراث قيل كان المسلمون يتوارثون بالهجرة، وقيل آخرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس فكان يواخي بين الرجلين فإذا مات أحدهما ورثه الآخر دون عصبته، حتى نزلت {وأولي الأرحام بعضهم أولى ببعض} وقيل في معنى الآية لا توارث بين المسلم والكافر ولا بين المهاجر وغير المهاجر {في كتاب الله} أي في حكم الله {من المؤمنين} الذين آخى رسول الله صلى الله عليه سلم بينهم {والمهاجرين} يعني أن ذوي القرابات أولى بعضهم ببعض فنسخت هذه الآية الموارثة بالمؤاخاة والهجرة وصارت الموارثة بينهم بالقرابة {إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفًا} يعني الوصية للذين يتولونه من المعاقدين، وذلك أن الله تعالى لما نسخ التوارث بالخلف والإخاء والهجرة، أباح أن يوصي لمن يتولاه بما أحب من ثلث ماله، وقيل أراد بالمعروف النصر وحفظ الحرمة بحق الإيمان والهجرة، وقيل معناه إلا أن توصوا إلى قرابتكم بشيء وإن كانوا من غير أهل الإيمان والهجرة {كان ذلك} أي الذي ذكر من أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض {في الكتاب} أي في اللوح المحفوظ وقيل في التوراة {مسطورًا} أي مكتوبًا مثبتًا.
قوله تعالى: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم} أي على الوفاء بما حلموا وأن يصدق بعضهم بعضًا ويبشر بعضهم ببعض، وقيل على أن يعبدوا الله ويدعوا الناس إلى عبادته وينصحوا لقومهم {ومنك} يعني محمد {ومن نوح وأبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم} خص هؤلاء الخمسة بالذكر من بين النبيين لأنهم أصحاب الكتب والشرائع وأولوا العزم من الرسل، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم في الذكر تشريفًا له وتفضيلًا.
لما روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه سلم قال: «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم بالبعث» قال قتادة وذلك قول الله: {وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح} فبدأ به صلى الله عليه وسلم {وأخذنا منهم ميثاقًا غليظًا} أي عهدًا شديدًا على الوفاء بما حملوا من تبليغ الرسالة {ليسأل الصادقين عن صدقهم} يعني أخذ ميثاقهم لكي يسأل الصادقين يعني النبيين عن تبليغهم الرسالة والحكمة في سؤالهم مع علمه سبحانه وتعالى صادقون تبكيت من أرسلوا إليهم وقيل ليسأل الصادقين عن صدقهم عن عملهم لله وقيل ليسأل الصادقين بأفواههم عن صدقهم في قلوبهم {وأعد للكافرين عذابًا أليمًا} قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم} وذلك حين حوصر المسلمون مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أيام الخندق {إذ جاءتكم جنود} يعني الأحزاب وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير {فأرسلنا عليهم ريحًا} يعني الصبا قال عكرمة قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب انطلقي ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقالت الشمال إن الحرة لا تسري بالليل.
فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا ق عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور» وقيل الصبا ريح فيها روح ما هبت على محزون إلا ذهب حزنه، قوله تعالى: {وجنودًا لم تروها} يعني الملائكة، ولم تقاتل ملائكة يومئذ فبعث الله تلك الليلة ريحًا باردة فقلعت الأوتاد وقطعت أطناب الفساطيط وأطفأت النيران وأكفأت القدور وما جاءت الخيل بعضها في بعض وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم، حتى كان سيد كل حي يقول يا نبي فلان النجاء النجاء هلموا إلي فإذا اجتمعوا عنده قال النجاء النجاء فانهزموا من غير قتال لما بعث الله عليهم من الرعب {وكان الله بما تعملون بصيرًا}.